تخطى الى المحتوى
EN

محمَّد عبد الغني

مصر

لم يكن لمحمَّد طريقٌ واضح في الحياة، لا مهنة ولا شهادة. لم تسعفه الظروف المعيشية ولم يكن له شغف يحرِّكه، بل كانت الأيام تسيرُ به إلى حيث هي تريد، ومع كلِّ يومٍ يمرُّ، كان خوف والديه يتضاعف على ابنٍ لم يرسم مستقبله بعد، وكان الحديث عن مشاريعه المستقبلية مجرَّد كلمتين أو ثلاث، دون إيجابيةٍ تُذكَر!

وفي يومٍ صيفي، هرب فيه محمَّد من التفكير والهموم والحديث المُكرَّر في المنزل، إلى مقهى قريب يلتقي فيه مع أصدقائه لم يكن عنوان الحديث الهمَّ الاقتصادي أو المعيشي، ولا ضيق الفرص التي قاسى منها محمد الكثير على مدى سنوات طوال. فأحد الأصدقاء غاب بضعة أسابيع عنهم، ثم عاد ليخبرهم بصوت عالي خطف انتباه كلَّ رواد المقهى، عن تلك الدروس التي يتابعها مجانًا في البرمجة. لم يكمل محمد جلسته، طلب ورقة وقلماً، ودوَّن اسم الموقع عليها وغادر.

أطال محمد السهر يومها، وسجَّل في مسار تطوير المواقع الإلكترونية في غضون دقائق، ليشعر بأنه على ما يبدو أمسك بأولى خيوط أمل تحاكي شغفه النائم.

الكثير من أصدقائه سجّلوا في مبادرة “مليون مبرمج عربي”، وبعد نيلهم الشهادات تقدَّموا إلى وظائف أو اختاروا العملَ الحرَّ، لكن محمد أراد أن يختبر قدراته بنفسه، فطوَّرَ موقعاً لطلب الأدوية وتوصيلها، ورغم أنَّه أراد من هذا الموقع التجربة والاختبار فإن نجاحه الساحق في غضون أشهر قليلة، زاد من حماس محمد وشغفه، وجعل والدته تُعلِّقُ شهادته في البرمجة في إطارٍ ذهبي يتوسَّطُ حائط غرفة جلوسهم.

اليوم، وفي سنِّ الثالثة والعشرين، يزدحم يوم محمد الذي وجد إلى جانب العمل الحرِّ وظيفة في إحدى كبريات الشركات المصرية في مجال تسهيل وإنجاز الأعمال.

فعند الحديث عن التغيُّر في حياة محمد، لا حاجة للكلام والأسئلة الكثيرة، يكفي النظر في عيني والدته، ومراقبة ابتسامتها التي تختصر كل الكلام.