أكد متحدثون متخصصون في جلسات اليوم الأولمن “منتدى دبي للمستقبل 2025″؛ أكبر تجمع عالمي لخبراء ومصممي المستقبل ومؤسساته الدولية من حوالي 100 دولة في “متحف المستقبل”، أن استدامة النمو في مجتمعات المستقبل مرتبط ارتباطاً عضوياً بمواصلة استكشاف إمكانات العقل البشري والحفاظ على موارد الكوكب وإشراك مختلف الفئات العمرية والقطاعات المجتمعية في تصميم المستقبل المنشود.
جاء ذلك ضمن الحوارات التي شهدت جلسات المنتدى ضمن الموضوعات الرئيسية الخمسة التي يناقشها منتدى هذه السنة، وتشمل نظرة متعمقة في المستقبل، استكشاف المجهول، مستقبل المجتمعات، مستقبل الصحة، مستقبل الأنظمة.
مستقبل الأبحاث
وضمن محور مستقبل الأنظمة، ناقشت جلسة حوارية نوعية بعنوان “هل تصنع التحالفات العلمية مستقبلاً جديداً للبحث والتطوير”، مستقبل هذا القطاع الحيوي للنظم الاقتصادية والتنموية والخدمية في مجتمعات المستقبل.
وقال خليفة القامة، مدير مختبرات دبي للمستقبل، إن: “البحث والتطوير رحلة تبدأ بالاكتشاف وتنتهي بمعرفة جديدة أو تطبيقات تخدم المجتمع والاقتصاد، ولهذا نحرص في دبي على بناء منظومة متكاملة من التخصصات وبيئات مختلفة تشجع المؤسسات على التعاون وفق أولويات واضحة عالمية مثل المدن الذكية والفضاء والصحة، ثم نترجمها إلى سياسات داعمة ومبادرات رائدة مثل البيئات التنظيمية الاختبارية التي تجمع المنظمين مع مطوري التقنيات الناشئة لضمان ترجمة الابتكارات إلى تأثير فعلي على أرض الواقع لصالح الإنسانية.”
وأوضح ماكس ميرغولي، نائب الرئيس التنفيذي للشراكات الاستراتيجية العالمية في معهد “آيمك”، أن: “الابتكار لا يعترف بالحدود الجغرافية، والتقدم التكنولوجي يعتمد على الاستثمار المستدام في البحث والتعليم، وعلى التعاون الدولي بين الحكومات والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية، والأهم من ذلكالمواهب التي تقود هذا الابتكار لمواجهة تحديات البشرية الكبرى وتصميممستقبل أكثر ازدهاراً.”
بدوره، اعتبر بول أنطوان كالاندرو، مدير أول الصناعة 4.0، في “الإمارات العالمية للألمنيوم”، أن: “الابتكار لا يقتصر على تطوير عمليات الإنتاج، بل يشمل تطوير استخدامات جديدة تسهم في نمو القطاعات الصناعية والمجتمع ككل، مبيناً أهمية التركيز على تحقيق قيمة مؤثرة للأعمال من خلال التحسين المستمر، والاستثمار في أبحاث طويلة الأمد والتعاون مع الشركاء لابتكار حلول رقمية وذكية تضع الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في صلب العمليات الصناعية، مع التأكيد على تمكين الكفاءات البشرية وتطويرها لتكون جزءاً أصيلاً من مستقبل الصناعة.”
وفي جلسة بعنوان “كيف تعزز الشركات العائلية استدامتها وقدرتها على مواكبة المتغيرات؟” بحث يوسي هيرلين، نائب رئيس مجلس إدارة شركة كوني، وميتسوهارو كوروكاوا، رئيس شركة “تورايا”، وأديب رشيد، مدير مركز دبي للشركات العائلية الذي يعمل تحت مظلة غرف دبي، أهمية المرونة والاستباقية والجاهزية للمستقبل في نظم إدارة الشركات العائلية لاستدامة نموها ومساهمتها في الاقتصادات الوطنية.
وبيّن هيرلين أن “الشركات العائلية الناجحة لا تدع الماضي يحدد مستقبلها، بل تعزز القدرة على رؤية ما وراء دورات السوق والتقلبات الاقتصادية، بالاعتماد على الصبر الاستراتيجي يمكننا من الاستثمار في الحلول المستدامة والابتكارات طويلة المدى التي تخدم المجتمع والكوكب معاً.”
بدوره، قال كوروكاوا: “الحفاظ على الإرث والابتكار المستمر كوجهين لعملة واحدة في عالم الشركات العائلية. ما نملكه اليوم هو أمانة من ثمانية عشر جيلاً سابقاً، ومسؤوليتنا أن ننقله للأجيال القادمة بأفضل صورة ممكنة، مع التفكير بالناس أولاً، لأن ما يميز الإنسان عن الآلة هو القدرة على تقدير الروابط العاطفية والمعنوية – مثل الزهرة الصغيرة على طاولة الإفطار التي ليست ضرورية لكنها تحمل مشاعر من أعدها. هذا البُعد الإنساني هو جوهر عملنا وسر استمراريتنا.”
من جهته، لفت رشيد إلى النموذج المتميز للشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، ومن ضمنها الشركات العائلية، في اقتصاد دبي ذي المرونة الحيوية والجاهزية الكاملة لفرص المستقبل، مؤكداً أن الشركات العائلية في دبي والشرق الأوسط تجسد نموذجاً فريداً في التفكير الاستراتيجي – فهي لا تفكر بالأرباع المالية بل بالأجيال. وأضاف: “في دبي، نعمل على بناء منظومة متكاملة تدعم هذه الشركات من خلال برامج التدريب والحوكمة والاستشارات المتخصصة.”
أعماق مجهولة
وضمن محور استشكاف المجهول، أكد كلٌ من الدكتورة أوليركه بفرويندت، الشريك المؤسس ورئيس العلوم والتطوير في مؤسسة “ريفز”، والدكترو خوان أنطونيو روميرو، المستشار التنفيذي الأول لشؤون البيئة والحفاظ على الطبيعةوالبحث في مشروع “مشدّ دبي” لحماية الحياة البحرية بدائرة الاقتصاد والسياحة في دبي، وكريم إيليا، الشريك المؤسس لمكتبة “كوجيا” للمحيطات، والذين شاركوا في جلسة “ابتكارات أعماق المحيط” أن المحيطات قد تلعب دوراً مهماً في تشكيل ملامح مستقبل الكوكب.
وأشارت الدكتورة بفرويندت إلى أنّ حماية المحيطات ليست مجرد مسؤولية، بل هي إرث ندين به للأجيال القادمة، مشيرةً إلى أنّ حقيقة عدم القدرة على استعادة الكائنات البحرية المنقرضة تحتم ضرورة التعاون لإيجاد أطر فاعلة لحمايتها. واختتمت: “علينا الاعتراف بمسؤوليتنا وتفعيل العمل المشترك بين المجتمع العلمي وواضعي السياسات لإقامة مناطق محمية وبناء شبكات فعّالة لحماية مستقبل البيئة البحرية.”
فيما استعرض الدكتور خوان أنطونيو روميرو نموذج دبي الريادي في استدامة موارد الحياة البحرية فيها، لافتاً إلى أنّ الإرث الحقيقي للأجيال القادمة يكمن في تعزيز قدرتهم على الاستمتاع بجمال المحيطات وتخطي التحديات التي تواجهها. وأضاف: “إنقاذ المحيطات بات أولوية لأنه يعني إنقاذ أنفسنا نحن كبشر. ويمكننا، من خلال تغيير السردية، وإشراك الشباب والمجتمعات في صنع القرار مع تعزيز الفضول والتعليم والعمل الجماعي، إحداث تغيير حقيقي وبناء مستقبل يزدهر فيه الإنسان والكوكب معاً.”
بدوره أكد كريم إيليا أن المحيطات مصدر بقاء لملايين الناس، ومع ذلك لا يزال الكثير من أسرارها وتحدياتها غير مرئي، داعياً إلى توفير المواد المرئية وأدوات السرد العلمي للعلماء والمدافعين عن المحيطات لتمكينهم من تعزيز الوعي العام والتأثير على السياسات.
وطرحت جلسة تخصصية أخرى سؤالاً عن “ما هي الآفاق غير المكتشفة في فهم العقل والوعي البشري؟” بمشاركة الدكتورة كيرتي رانشود، مؤسِسة شركة “ميمورابيليتي” المتخصصة في علوم الأعصاب، والدكتورة سارة كينج، الشريكة المؤسِسة لشركة “مايندهارت” للذكاء الاصطناعي، والدكتور ستيفن نوفيلا، المؤلف والطبيب المتخصص في الأعصاب، وحاورهم الدكتور محمد قاسم، عميد أكاديمية دبي للمستقبل.
وقالت الدكتورة رانشود إنّ علم الأعصاب يُظهر أن تجاربنا تعيد تشكيل أدمغتنا فعلياً، مما يعزز من كفاءتنا وقدرتنا على التكيّف، مضيفةً: “أثبتت الممارسات المبنية على الأدلة مثل التأمل فعاليتها في تعزيز الإبداع والمرونة الذهنية. ومع ذلك، تبقى إمكانياتنا غير مستغلة بالكامل ولا تظهر إلا من خلال التدريب والانضباط واختيارات نمط الحياة.” واختتمت بأنّ التحدي الحقيقي ليس في التقدم التكنولوجي، بل في مدى استعدادنا لبذل الجهد العقلي اللازم لاكتشاف الإمكانيات الحقيقية الكامنة في عقولنا.”
وأوضحت الدكتورة كينج أن عقولنا ليست معزولة بل مرتبطة بعمق بأجسادنا، ومتشكلّة بثقافتنا ومجتمعنا والعالم من حولنا. ولفتت إلى أن أكثر تقنيات الذكاء الاصطناعي تقدماً لا يمكنها أن تحاكي الجوانب الجماعية والإبداعية للوعي البشري، مشيرةً إلى أن الابتكار الحقيقي يكمن في استخدام التكنولوجيا ليس فقط للمحاكاة، بل لدعم الروابط الإنسانية الحقيقية، والتجارب الجماعية. وعلينا اليوم توظيف التكنولوجيا لتعزيز التواصل فيما بيننا، وتعزيز رفاهنا، وإطلاق العنان للإمكانات البشرية الكاملة.”
ولفت الدكتور نوفيلا إلى أنّ التقنيات الحديثة تتيح نمذجة ودراسة وظائف الدماغ بطرق غير مسبوقة، ومع ذلك يظل الدماغ البشري نتاج تطور طويل، تَشكَّل من خلال تفاعله المستمر مع البيئة والمجتمع وحتى الأنظمة الافتراضية. وأضاف: “تؤكد الأبحاث أن التمارين الذهنية والبدنية، والإبداع، والتعاطف، والمشاركة المجتمعية، تعزز بمجملها صحة الدماغ، حيث أن أدمغتنا بطبيعتها قابلة للتكيّف، وتكوّن روابط جديدة استجابةً للتجارب والأنشطة المستجدة. ويعتمد مستقبل عقولنا وتأثير الذكاء الاصطناعي على كيفية اختيارنا لاستخدام التكنولوجيا. فالقرارات التي نتخذها اليوم، فردياً وجماعياً، هي التي ستحدد كيف ستتطور عقولنا في عالم سريع التغير.”
مهارات الخبراء
وفي محور نظرة متعمقة في المستقبل، حددت جلسة حوارية رئيسية أبرز مهارات خبير المستقبل بمشاركة إلياس معوض، خبير الابتكار الحكومي والاستشراف الاستراتيجي، وميلاجروس فونروج، الخبيرة لدى مبادرة “شيب شيفترز”، والدكتورة بري تريفينا، مديرة برنامج الأبحاث والابتكار واستشراف المستقبل في أستراليا وآسيا لدى جامعة “آروب”.
وضمن المحور ذاته، ناقشت جلسة بعنوان “المستهلك العالمي 2035″، والتي شارك فيها كلٌ من ليندا آرفيدسون خبيرة استشراف المستقبل لدى مجموعة “أتش آند أم”، وأنورادها جاق، عضو مجلس إدارة مشروع “ذا بايو ليدرشيب”، وميك كوستيغان، نائب الرئيس لقطاعات المستقبل لدى “ذا سيلز فورس”، ما تخبر به مؤشرات الأسواق العالمية حول المستقبل.
لغة ذكية
وفي محور مستقبل المجتمعات، وفي جلسة ناقشت أبعاد ما بعد الخوارزميات ودور اللغة العربية والسرديات الثقافية في عصر الذكاء الاصطناعي، شارك كلٌ من يارا حسّان، مؤسِسة مبادرة “نتكلّم” للغات وخدمات الاتصال، وميكي مهنا، المؤسس والمدير التنفيذي لمنصة “عفكرة”، والمخترعة فاطمة الكعبي، الحاصلة على لقب أصغر مخترعة إماراتية.
سلطت الجلسة الضوء على أهمية عدم الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي في عمليات البحث والتعلم، حيث أشار المتحدثون إلى أن الإفراط في استخدام الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تراجع الفضول الفكري ومهارات البحث الأساسية لدى الشباب. وشجع الحضور على التعامل مع الذكاء الاصطناعي كأداة داعمة، مع ضرورة الحفاظ على روح البحث والنقد الذاتي.
وفي جلسة أخرى في نفس المحور، بعنوان “كيف يؤثر السرد القصصي في تشكيل المستقبل”، ناقش كلٌ من باولو بتروشيلي، رئيس دبي أوبرا، وأليخاندرو جاريباي، من سينيبوليس سينما، ورجات مالهوترا، الشريك المؤسس في “سول دي أكس بي”، مع السينمائية الإماراتية بثينة كاظم، مؤسِسة سينما عقيل، أهمية الفن السابع في تخيّل المستقبل.
تكافؤ الرعاية
وضمن محور مستقبل الصحة، وفي جلسة بعنوان “الطب الاستباقي” حاول كلٌ من الدكتور ياسين حجيات، مدير الابتكار والصحة الرقمية في دبي الصحية، والدكتور جيفري جلين، أستاذ الطب وعلم الأحياء الدقيقة والمناعةبجامعة ستانفورد، وتينا وودز، المدير التنفيذي للمعهد الدولي للعمر الصحي المديد، الإجابة على سؤال “هل نحن على أعتاب قفزة جديدة” في هذا المجال؟
وأوضح حجيات أن مفهوم الصحة الاستباقية يمثل تحولاً نوعياً في قطاع الرعاية الصحية، حيث يسعى إلى الانتقال من النهج التفاعلي إلى نهج أكثر استباقية في معالجة الأمراض. وأكد أن التقنيات اللازمة لتحقيق هذا الهدف أصبحت متاحة، إلا أن التحدي يكمن في تكامل منهجيات التفكير التصميمي والنظم الصحية لضمان التطبيق الفعال على أرض الواقع.
ومن جانبه، أشار جيفري غلين إلى أن الأدوية الحالية تركز بشكل أساسي على علاج الأمراض الخطيرة، في حين يمكن للطب التنبؤي أن يفتح آفاقا جديدة في مواجهة الأمراض الفيروسية والأوبئة من خلال تعميق التعاون بين مختلف الأطراف المعنية، وتشجيع الابتكار المسؤول، وتعزيز القدرات البحثية.
كما أوضحت تينا وودز أن مجال العمر الصحي المديد يركز على الوقاية المبتكرة وحماية الصحة قبل ظهور الأمراض، وتمكين الأفراد من اتباع أنماط حياة صحية لأطول فترة ممكنة خارج نطاق النظام الصحي التقليدي. وشددت على أهمية التركيز على النهج الاستباقي في الحفاظ على الصحة مما سيحدث تأثيرا كبيرا على جودة الحياة.
إلى ذلك، ناقشت جلسة “تحقيق المساواة في الرعاية الصحية في عصر الطبي الجيني”، شارك فيها الدكتور معن زواتي، مدير الأبحاث في مركز علوم الجينوم والسياسة بجامعة ماكجيل، والبراء الخاني، نائب أول للرئيس للعمليات في مجموعة M42 ، ويوسف هندريكس من شركة “إندي جينوس بيو”، فرص تعزيز تكافؤ فرص الرعاية الصحية بالاستفادة من التطورات النوعية الحاصلة في الطب الجيني.
مزيد من المعلومات حول “منتدى دبي للمستقبل 2025″، على الرابط الإلكتروني: https://www.dubaifuture.ae/dubai-future-forum-2025).